القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير logo إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك
shape
مجموعة محاضرات ودروس عن الحج
145692 مشاهدة print word pdf
line-top
بحث في: منافع الحج (تابع)

ولا شك أيضا أن من منافع الحج: تأثيره في صاحبه بعد رجوعه، وتعتبر فوائد للأعمال الصالحة، ليست للحج وحده؛ بل الأعمال الصالحة من آثارها كلها. من آثارها أنها تمنع صاحبها من المعاصي، وتُرَغِّبُهُ في الطاعات. قال الله تعالى عن الصلاة: إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وجاء في بعض الآثار: (مَنْ لم تَنْهَهُ صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يَزْدَدْ بها من الله إلا بُعْدًا).
وكذلك الصيام: قالوا: جاء في حديثٍ: الصيام جُنَّةُ -أي: جنة أحدكم من المعاصي، كَجُنَّتِهِ من الحرب أو من السلاح- فإذا كان يَوْمُ صَوْمِ أحدِكُمْ فلا يَرْفُثْ، ولا يَفْسُقُ، ولا يَصْخَبْ، وإنْ امرؤ سَابَّهُ أو شَاتَمَهُ فليقل: إني صائم ؛ يعني أن الصيام الصحيح يمنع صاحبه من المعاصي.
وهكذا أيضا الحج. الحج أيضا يمنع صاحبه من المعاصي؛ وذلك لأنه يعتبر عمل عملا خاصا، وتقرب به إلى ربه، وهذا العمل الخاصُّ لا بد أن يكون له أثر فَعَّال، أثر كبير في أنه يفيد صاحبه؛ فيرجع وقد أحب الطاعات، وكره المحرمات، وهذه أكبر فوائد الحج، أن صاحبه إذا رجع حُبِّبَتْ إليه العبادات، فَيُحَبَّبُ إليه ذكر الله؛ فتراه دائما يلهج بذكر الله، يعمل بقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يزال لسانك رَطْبًا من ذكر الله .
وذكر الله: كل شيء يذكِّر بالله؛ تسبيح، وتحميد، وتكبير، وتهليل، ودعاء، واستغفار، وتلاوة، ودعوة إلى الله، ودعوة إلى الخير، فكل ذلك مما يحبه الله تعالى، وهذا ما يدعو إليه هذا العمل الصالح.
وتراه أيضا يُحِبُّ القرآن، ولا يَمَلُّ من قراءته؛ لأنه تَلَذَّذَ به، وتلذذ بمناجاة ربه، فتراه لا يمل قراءة القرآن في كل الحالات.
وتراه أيضا يُحِبُّ الدعاء، يدعو الله في كل حالاته، يعمل بقول الله تعالى: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً تَضَرُّعًا وخُفْيَةً: يعني سِرًّا. إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا أي خَوْفًا من عذابه وطمَعًا في ثوابه. وكذلك قول الله تعالى: فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ .
فهذا من منافع الحج أنه إذا رجع يكون دائما مُحِبًّا لدعاء الله وراغبا فيه، يعلم أن ربه يحب من دعاه؛ بل إنه يغضب على العبد الذي لا يدعوه، كما جاء في حديث: مَنْ لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ أخذ ذلك بعض الشعراء فقال:
لا تَسْــأَلَنَّ بُنَـيَّ آدَمَ حاجــةً
وسَـلِ الـذي أَبْوَابُـهُ لا تُحْجَـبُ
الربُّ يَغْضَـبُ إنْ تَرَكْتَ سُؤَالَـهُ
وبُنَـيُّ آدمَ حـين يُسْأَلُ يَغْضَـبُ!
فالرب سبحانه يُحِبُّ من عباده أن يدعوه، وأن يسألوه جميع حاجاتهم، وهو الغني عن عباده، وعباده فقراء إليه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ فالله غني ونحن فقراء. نحن الفقراء إلى الله، لا غِنى بنا عن ربنا طرفة عين. إذا سألنا الله توسلنا إليه بفقرنا وحاجتنا، وبغناه عن عباده، نقول: رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا ؛ رحمته واسعة، وأخبر بأنها قريب من المحسنين: إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ فنرجو رحمته. ونقول: اللهم رحمتك نرجو، فلا تَكِلْنَا إلى أنفسنا طرفة عين. لو وكلنا الله تعالى إلى أنفسنا -ولو لحظة- لهلكنا، ولكنه سبحانه وتعالى رحيم بعباده.
فعلى هذا نقول: علينا جميعا أن نعلق رجاءنا بربنا سبحانه وتعالى، وأن نُكْثِرَ من الرغبة إليه، كما أمر بذلك نَبِيَّهُ، والأمر للنبي -صلى الله على وسلم- أَمْرٌ لأفراد أُمَّتِهِ، قال الله تعالى: فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ أي أَظْهِرِ الرَّغْبَةَ إليه.
ووصف أنبياءه فقال: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا هكذا وصفهم: يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا أي رغبةً في الخير، ورَهْبَةً من الله؛ يعني خوفًا منه.
وهكذا يقول الله تعالى أيضا، والرهبة منه في قوله: وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ كقوله: وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ أي اتقوا الله، وارهبوا منه؛ يعني خافوا منه الخوفَ الذي يحملكم على أن تطيعوه، وأن تبتعدوا عن معصيته. هذا من آثار وفوائد هذا الحج.
كذلك أيضا من فوائده: إذا رجع أنه يبغض المعاصي، وينفر منها؛ لأنك تلذذت بالطاعة، تلذذت بالدعاء، وتلذذت بالطواف، وتلذذت بالسعي، وتلذذت بالوقوف في عرفة خاشعًا وخاضعًا، وتلذذت بِذِكْرِ الله تعالى وبتكبيره في هذه الأيام، فهذا التلذذ يُحَبِّبُ إليك الطاعة؛ فتكون جميع الطاعات لذيذة ومحبوبة، مُرَغَّبًا فيها.
ومَنْ أَحَبَّ الطاعة وتَلَذَّذَ بها نَفَرَ أيضا من المعصية، كره المعصية وأبغضها ونفر منها، ونفر من أصحابها؛ ولو كانت لذيذة عند النفس. فإذا كان سابقا مثلا يتلذذ بسماع الأغاني فإنه بعد ذلك يبغضها، وينفر منها، وإذا كان يتلذذ باللعب وباللهو، وبمشاهدة اللاعبين، فإنه بعد ذلك ينفر من هذا، ويعلم أن هذا اللهو واللعب أنه من الأسباب التي يُعَاقَبُ أهلها، ويعذبون في النار؛ ولهذا قال الله تعالى: الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا فهذا ونحوه من فوائد هذه العبادة؛ يعني أن لها آثارا وفوائد فتجده ينفر من كل معصية، ويحب كل طاعة، إذا رأيته بعد رجوعه من الحج إذا رأيته وهو يبتعد عن المعاصي، ويهجر أهلها. يهجر أهل الأغاني، والملاهي، ويهجر أهل القيل والقال، ويهجر أهل اللعب واللهو، ويهجر أهل الغيبة والنميمة، ويهجر أهل السهو واللهو، ويهجر أهل الخمور والمحرمات، والمنكرات والمسكرات والمخدرات والدخان وما أشبه ذلك.
وكذلك أيضا يهجر أهل السرقة، وأهل الاختلاس، وأهل أكل الأموال المحرمة، ويحب أهل الطاعة ويألفهم، فيحب القراء، ويحب أهل الدعوة، وأهل الدعاء، وأهل الذكر، وأهل الاستغفار. فَكُلُّ ذلك دليل على أَنَّهُ قد قُبِلَ حجه، وأنه قد تأثر به.
فهكذا نتواصى بأن نبقى على ما عاهدنا ربنا عليه في هذه المشاعر المفضلة؛ حتى يقبل الله تعالى حَجَّنَا، وحتى يُثِيبَنَا ثوابا كثيرا إنه على كل شيء قدير.
نسأل الله أن يجعل حَجَّنَا مبرورا، وذنبنا مغفورا، وعيبنا مستورا، ونسأله أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه، ضامنة لأجره، نطلب بها رضاه، ونرغب بها عمن سواه؛ حتى يكون بها عنا راضيا، ولحوائجنا قاضيا، ولنا من النار واقيا.
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، ولا تَرُدَّنا بعد الدعاء خائبين، ولا تجعلنا من رحمتك محرومين، ولا عن باب جنتك محرومين، واجعلنا برضاك من الفائزين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم انصر دينك وكتابك وسُنَّةَ نبيك وعبادك الصالحين، اللهم آمِنَّا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل اللهم ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك، برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم تقبل منا حجنا ونسكنا يا رب العالمين، ربنا تقبل منا هذا العمل، واجعله خالصا لوجهك، ضامنا لأجرك، اللهم تَقَبَّلْ منا يا رب العالمين، اللهم تقبل من عبادك المسلمين، ربنا تقبل منا حج بيتك الحرام، واجعلنا برضاك من الفائزين يا رب العالمين.
اللهم اجعل اجتماعنا اجتماعا مرحوما، وتفرقنا بعده تفرقا معصوما، ولا تجعل فينا ولا مِنَّا شَقِيًّا ولا محروما، اللهم لا تَرُدَّ عبادك خائبين. اللهم لا تُبْطِلْ سعيهم، اللهم ارزقهم الإخلاص والتوبة النصوح يا رب العالمين، إنك على كل شيء قدير، والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على محمد .
أسئـلة
س: كثرت الأسئلة في واقع توكيل بعض الرجال الكبار والنساء، فما هو ضوابط التوكيل؛ حتى لا يتساهل الناس في دينهم؟
الأصل أن الحاج يُبَاشِرُ الأعمال بنفسه؛ وذلك لأن هذه الأعمال شُرِعَتْ لِذِكْرِ الله، فإذا وَكَّلَ الإنسان كان الذِّكْرُ من ذلك الوكيل؛ الوكيل هو الذي يذكر إذا رمى الجمرات، وهو الذي يقول: الله أكبر الله أكبر، وكان أيضا التعب؛ الذي هو مشقة الزحام، ومشقة المشي ذهابا ورجوعا لهذا الوكيل. فالوكيل هو الذي لَقِيَ هذا التعب وهذه المشقة، وإذا كان كذلك فإننا نقول: إن الأصل هو مباشرة الأعمال؛ مباشرة الإنسان لعمله أن يعمل بنفسه.
ولكن جاء في حديث جابر أنه قال: أَحْرَمْنَا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالنساء والصبيان، فلَبَّيْنَا عن الصبيان، ورمينا عنهم ما جاء إلا هذا الحديث في التوكيل أنهم لَبَّوْا عن الصبيان ورموا عنهم. وأما النساء ونحوهم، فإنهم باشروا الأعمال بأنفسهن.
ثم جاء أن كثيرا من المشائخ سَهَّلُوا أمر التوكيل، فجاء فرخصوا في أن يُوَكِّلُ الكبيرُ العاجزُ، والمرأة العاجزةُ الذين يصعب عليهم أن يرموا بأنفسهم، يصعب عليهم ذلك؛ فلأجل ذلك أخذوا من حديث جابر أنه يجوز التوكيل، وإن كان الأصل والأفضل أن يباشر الإنسان عمله.
وحيث أفتى مشائخنا بجواز الرمي في الليل، فإن الأصل أن المرأة كغيرها تذهب، ولو لقيت مشقةً في الطريق تذهب في الليل، وترمي الجمرات ليلا، ولو في الساعة العاشرة في مثل هذه الليلة، أو الثانية عشرة ما لم يطلع الفجر، أن اليوم يبدأ الرمي من الظهر، ويستمر طوال الليل، لم يذكروا له نهاية.
كذلك أيضا يوم الثاني عشر غدا إذا كانوا سوف يتأخرون إلى اليوم الثالث عشر، فإن الرمي أيضا يستمر في الليل، يستمر إلى طلوع الفجر في ليلة الثالث عشر. وأما اليوم الثالث عشر فإنه يكون من الزوال إلى الغروب، ولا يستمر في الليل؛ وذلك لأن أيام التشريق تنتهي بغروب الشمس في اليوم الثالث عشر.
ثم جاء أيضا التأخير في قصة الرُّعَاة الذين يرعون الإبل؛ وذلك لأنهم في العهد النبوي وما بعده كانوا يحجون على الإبل، فيجتمع –مثلا- مائة ألف بعير أو أكثر أو أقل، وهذه لا بد أن يكون معها مَنْ يرعاها، فَيُرْسِلُون الرعاة. الراعي معه عشرون بعيرا، أو ثلاثون، أو خمسون، وهؤلاء الرعاة يغيبون عن البلد يومين أو ثلاثة أيام، ربما أنهم لا يأتون إلا في اليوم الثاني عشر، أو الثالث عشر، وإذا جاءوا فإنهم يجمعون رَمْيَ اليومين؛ يرمون عن اليوم الحادي عشر ثلاث الجمرات، كل واحدة بسبع. يرمي هذه بسبع عن الحادي عشر وهذه بسبع وهذه بسبع، ثم يرجع ويرمي عن الثالث عشر، ويكون هذا قائمًا مقام الرمي بنفسه؛ وذلك لأنه باشر العمل.
فالشيخ الكبير، والمرأة الكبيرة لهم أن يؤخروا الرمي إلى اليوم الثالث عشر، ويسردوهم؛ يسردوا الرمي يوم الحادي عشر، ثم يرجعون ويسردون الرمي يوم الثاني عشر، ثم يرجعون ويسردون يوم الثالث عشر، وهذا كله أفضل من التوكيل.
وأما الذين يتعجلون فإن الرمي في حقهم في اليوم الثاني عشر من الزوال إلى الغروب، ولا شَكَّ أنه قصير، وأن الزحام فيه شديد، في هذه الحال لهم أن يوكلوا للمرأة العاجزة، والشيخ الكبير.

س: شكر الله لكم يا شيخ، وهناك عدد كبير من الأسئلة يسألون عن جَمْعِ طواف الإفاضة مع طواف الوداع، وهل مِنْ هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- وأفعال الصحابة أنهم كانوا يجمعون هذين الطوافين؟
ما ذكروا ذلك، ولكن جاء عن النبي صلى -الله عليه وسلم- أنه قال: ليكن آخر عهد أحدكم بالبيت وقال: أُمِرَ الناسُ أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خُفِّف عن المرأة الحائض فإذا أخر طواف الإفاضة، وطافه عند السفر صار آخر عهده بالبيت فيكفيه ذلك، ولو كان طواف إفاضة فيكفيه عن الوداع، ولو سعى بعده؛ فإن هذا السعي عمل يسير. يعني يستغرق نصف ساعة، أو يستغرق ثُلُثَيْ ساعة، ولا شَكَّ أن ذلك لا يكون فاصلا، ولا يكون عملا كثيرا.
..
ينوي الإفاضة والوداع، أو ينوي نِيَّةً واحدة، ويكفيه إذا نواه الإفاضة كفاه عن الوداع.
س: أحسن الله إليكم. وهذا السائل يقول: الحج القران لا بد من أن الحاج يسوق الهدي، فهل يأخذ الهدي من بلده؟ أم يدفع في الراجحي أم ماذا؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا كيف يسوق الحاج الهدي؟
الهدي هاهنا هَدْيُ التطوع، وهو أن يشتري من طريقه، أو يأخذ من غنمه، أو إبله قطيعا من الغنم، أو ذَوْدًا من الإبل، كخمس أو عشر من الإبل أو من الغنم ثم يُقَلِّدُهَا، فهذا يُسَّمَى سوق الهدي؛ هدي تطوع. ولا شك أنه في هذه الحال يمنعه هديه من التحلل، قال تعالى: وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ولَمَّا كان النبي صلى -الله عليه وسلم- معه هديٌ سبعون بدنةً من المدينة وثلاثون من اليمن جاء بها عَلِيٌّ كان مما منعه أن يتحلل مع أصحابه، وبقي على إحرامه، وقَرَنَ الحج بالعمرة.
فأمَّا الذي يكون قارنا، ولم يَسُقِ الهدي فإنه يذبح دَمًا يُسَمَّى دم تَمَتُّعٍ، أو دَمَ قِرَان، وتسمى فدية؛ فدية تمتع وليست هَدْيًا؛ يعني الهدي الذي يساق، فالذي يُحْرِمُ قَارِنًا يشتري شاة ويذبحها، أو يعطيها الشركة وتذبحها، وتسمى فدية قِرَان، ولا يلزمه أن يسوقها من الخارج، فَفَرْقٌ بين دم التمتع والقران، وبين هَدْيِ التطوع.
س: أحسن الله إليكم. وهذه مجموعة من النساء بعدما أن خرجن من عرفات ألزمهن سائق الحافلة بألا يبقين في المزدلفة فمشين إلى منى فلم يشهدن مبيت مزدلفة فماذا عليهن؟
نرى أنه لا بُدَّ من فدية، لا بد من دَمِ جُبْرَان. كل مَنْ لم يَبِتْ بمزدلفة إلى نصف الليل، أو إلى ما بعده عليه دَمُ جُبْرَان يُذْبَحُ لمساكين الحرم، ولهم أن يطالبوا هذا السائق، أو هذا المتعهد أن يطالبوه بهذه الفدية؛ لأنه فوتهم أو المطوف ونحوه.
س: وفي حالة- غفر الله لك- تأخر وصول السيارة، فلم يصلوا إلا قرب الفجر، أو الفجر، فماذا عليهم؟
إذا كانوا في الطريق متوجهين إلى مزدلفة فهم معذورون، ويُعْتَبَرُون كأنهم وصلوا إليها وإن كانوا في الطريق، بخلاف ما إذا وصلوها وتجاوزوها ولم ينزلوا فيها ولو للحظة.
س: أحسن الله إليك. وهذا السائل يقول: ذهبتُ البارحة لكي أطوف طواف الإفاضة، وبعده السعي؛ لأنه كان متمتعا، ولكنه حَبَسَهُ التأخير، فلم يصل إلا مع الفجر إلى مِنى فهل عليه شيء بعدم مبيته بمنى ؟
لا شيء عليه؛ لأنه في طريقه. أولا: أنه ذهب لعمل صالح، وهو الطواف والسعي، وثانيا: أنه توجه بعد انتهائه واحْتَبَسَ في الطريق. نعم.
س: شكر الله لكم يا شيخ. وهناك مجموعة كبيرة من الأسئلة يسألون على أنهم دخلوا مكة لابسين ثيابهم، ولكنهم أحرموا من مكة وهم قد أرادوا الْحَجَّ، فماذا عليهم؟
إذا جاءوا من خارج مكة وأحرموا منها، تجاوزوا الميقات فعليهم دم جبران، كل واحد عليه دم، وأما إذا أحرموا من الميقات بثيابهم؛ أحرموا بقُمُصِهِمْ وعمائمهم فعليهم فدية: صيام ثلاثة أيام عن القميص، وثلاثة أيام عن العمامة؛ إذا كانوا غطوا رءوسهم، أو إطعام ستة مساكين بثلاثة آصُعٍ عن القميص، ومثلها عن العمامة، هذا إذا لبوا من الميقات، ولكنهم أحرموا بثيابهم.
س: أحسن الله إليكم. مجموعة من الأسئلة: يسألها الإخوة عن الرمي المجزئ عند رمي الجمرات، هل لا بد من ضرب الشاخص؟ أم أنه يقع في الحوض؟ وما هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في رميه. أي في جهة الرمي؟ ومتى وأين يقف عند الدعاء؟
ذكرنا أن الرمي عبادة، وأنه شُرِعَ لأجل الذكر؛ إنما جُعِلَ الطواف بالبيت والصفا والمروة ورَمْيُ الجمار لإقامة ذكر الله. وإذا كان كذلك فإن عليه أن يُوَجِّهَ الْحَصَيَات إلى المرمى، فإن ضرب الشاخص أجزأ، وإن وقعت في الحوض أجزأت، وكذلك أيضا إذا وجَّهَهَا -ولا يدري- لشدة الزحام، ولكنه وجهها وهو يعرف في العادة أن رميه يمتد إلى مثل هذه المسافة أجزأت، وليس شرطا أن يُبْصِرَها عندما تقع في الحوض؛ فإن في ذلك مشقة، سيما مع شدة الزحام، فإنه قد يحتاج إلى أن ينظر مع كونه مندهشا، لا يدري ماذا يفعل؟ ففي هذه الحال عليه أن يُوَجِّهَهَا، ويكفي ذلك إن شاء الله.
بالنسبة إلى الْجَمْرَتَيْنِ -الأولى والوسطى- يَصِحُّ رميها من كل جهة؛ لأن حوضها مستدير.
لا شك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رماها من عدة جهات، ولكن لا شك أنه شاهد أصحابه يرمونها من كل الجهات، ولم يُحَدِّدْ لهم جهة معينة.
بالنسبة إلى رمي جمرة العقبة كانت جمرة العقبة في أصل الجبل عقبة مرتفعة، شاهدناها أول ما حججنا، وفي أصل الجبل، ثم في عهد الملك سعود في سنة خمس وسبعين أفتى العلماء بإزالة تلك العقبة لتوسعة الطريق، فبقيت الجمرة في مكانها، وكان حوضها نصف دائرة من جهة الجنوب. النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما رماها كان وجهه للشمال، ومكة عن يساره، ومنى عن يمينه، وقفاه إلى الجنوب مقابلا للحوض. ولا شك أيضا أنه رأى أصحابه يرمون من الجهتين، بعضهم وجوههم إلى الغرب، وبعضهم وجوههم إلى الشرق، وبعضهم وجوههم إلى الجنوب.
وذُكِرَ أيضا أن بعضهم رماها من فوق. رقى على العقبة ورماها من فوق، ووجوههم إلى الجنوب، وأَقَرَّ الجميعَ؛ فَدَلَّ ذلك على أنه يَجُوز الرمي من أي الجهات، ولكن لا بد أن تضرب الشاخِصَ، أو تقع في الحوض.
أما الدعاء فيكون بعد رمي الجمرة الدنيا والجمرة الوسطى إذا انتهى من الرمي، فإنه يتنحى ويبتعد عن الزحام، ويستقبل القبلة، ويرفع يديه، ويدعو بما تيسر، فيُسْتَحَبُّ إطالة الدعاء.
س: أحسن الله إليكم. وهناك من الأسئلة مَنْ يقول: إنني نسيت أن أُلَبِّي في الميقات، فماذا عَلَيَّ؟
الجمهور على أن التلبية سُنَّةٌ وليست ركنا، بعض العلماء جعلها ركنا، وبعضهم جعلها واجبا، والمشهور أن الأقوال كلها، والأدعية، والأذكار تكون من السنن، فإذا نسيها فلا حرج عليه، ولكن عليه أن يدرب نفسه، وأن يَتَعَلَّمَ السنن فيعمل بها؛ فإن التلبية سنة مؤكدة.
س: شكر الله لكم. وهذا السائل يقول: ما حكم التَّشَكِّي من أعمال الحج؟ سواء من كثرة الزحام، أو التأخر في الوصول إلى أي من المشاعر، وترديد هذا، وهل هذا مما يُنْقِصُ الأجر عند الله -عز وجل- ؟
نرى أنه لا يجوز أن يَتَشَكَّى إلا الضرر العام الذي يَعُمُّ الْحُجَّاج -مثلا- كالزحام في اليوم الثاني عشر الذي يموت بسببه خلق كثير، ففي هذه الحال إذا رفعوا الشكوى إلى بعض الجهات الذين عندهم حَلٌّ لبعض هذه الأزمات، فلعل ذلك جائز.
وأَمَّا أن الإنسان يتشكى فيقول: إني أُصِبْتُ بكذا، وإني تعبت تعبًا شديدا، وإني تأثرت بكذا وكذا! وأصابني مرض! أصابني ضرر! ونحو ذلك؛ عليه أن يحتسب، وعليه أن يعلم أن الأجر على قدر التعب، هكذا جاء في حديث في صحيح البخاري، قال: بابٌ: الأجر على قدر النَّصَب، ثم أورد حديثا عن عائشة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إن أجركِ على قدر نفقتكِ، أو قال: نَصَبِكِ فالأجر على قدر التعب الذي يناله الإنسان إذا لقي زحاما في الطواف، أو في السعي، أو في الرمي احتسب ذلك، واحتسب أن الله تعالى يُثِيبُهُ على ذلك.
س: أحسن الله إليكم. وهناك سائل يقول: ما رأي فضيلتكم لمن كان في صلاته أو طوافه تَشَكَّكَ في انتقاض وضوئه، وكثيرا ما يأتيه الشيطان ويقول له بانتقاض الوضوء، ويكرر وضوءه من أجل الاطمئنان على صلاته وطوافه، فما نصيحتكم لمن ابْتُلِيَ بهذا المرض، نسأل الله -عز وجل- أن يرزقهم الشفاء والعافية؟
نصيحتنا ألا يلتفت إلى هذا؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- سُئِلَ عن الرجل يُخَيَّلُ إليه أنه يجد الشيء في الصلاة فقال: لا ينصرف حتى يسمع صوتا، أو يجد ريحا فكذلك أيضا إذا شَكَّكَه الشيطان بأنه انتقض وضوءه بتقاطر بول مثلا، أو بخروج ريح، فلا يلتفت إلى هذا. وإذا كان مُبْتَلًى بمثل السلس؛ الذي هو تقاطر البول الدائم، فإنه يطوف أو يصلي ولو كان يتقاطر؛ وذلك لأنه معذور.
وعلامة الوسوسة أنه لا يُحِسُّ بهذا التقاطر مثلا، أو بخروج هذه الريح إلا في الصلاة، أو في الطواف، أو في العبادة التي يُشْتَرَطُ لها الطهارة، وأَمَّا في غير ذلك فلا يُحِسُّ بهذا. يجلس الضحى مثلا ويبقى في الضحى مثلا خمس ساعات، وكذلك في الليل خمس ساعات، أو ثماني ساعات، وهو لا يُحِسُّ بشيء، دل ذلك على أن هذا وسوسة؛ فلا يلتفت إلى هذه الوساوس.
وعليه إذا تحقق أن هذا حدثٌ يتوضأ إذا أراد أن يطوف، أو إذا أراد أن يصلي، ويَرُشُّ على سراويله، وعلى قميصه ماء حتى إذا أحس برطوبته قال: هذا من آثار الماء الذي صببته على السراويل، ويستمر في طوافه، ويقطع الوسوسة.
س: أحسن الله إليكم. وهذا السائل يقول: هل ما يكون بعد الصلاة في أيام التشريق من التكبير له أَصْلٌ في فِعْلِ أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أو قَبْلَ ذلك رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-؟
نعم، أُخِذَ دليلُهُ من القرآن من قَوْلِ الله تعالى: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فإن هذا الذكر مُرَغَّبٌ فيه، مأمورون به هذه الأيام؛ الأيام المعدودات، وهي أيام التشريق، ثم أُخِذَ التكبير من قول الله تعالى: لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ .
ثم إن الصحابة -رضي الله عنهم- طبقوا هذا الأمر: لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ فكانوا يكبرون الله تكبيرا مطلقا، وتكبيرا مُقَيَّدًا، ولم يُنْكَرْ ذلك عليهم؛ فَدَلَّ ذلك على أن هذا امتثالٌ لما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولما أمر الله به.
س: أحسن الله إليكم، هل يستحب .. الصلاة .. ؟
السنة إذا انتهى، وإذا سَلَّمَ أن يقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله ، الله أكبر الله أكبر، لا الله إلا الله، ثم بعدما يأتي بالتكبيرات يقول: اللهم أنت السلام إلى آخره.
س: شكر الله لكم. يقول هذا السائل: ما الأصل في وقت رمي جمرة العقبة يوم النحر؟ هل يبدأ من شروق الشمس، أو من آخر الليل أم ماذا؟ في أي وقت يبدأ؟
يبدأ في حق الضعفاء والظعن من آخر الليل، أو من النصف الأخير، والأولى أن يكون بعد غيوب القمر.
وأَمَّا بالنسبة إلى الأقوياء فالصحيح أنه لا يبدأ إلا بعد طلوع الشمس؛ لحديث ابن عباس أنه أرسلهم في شببة من قريش، وجعل يضرب أطفالهم، ويقول: (أي بني، لا ترموا الجمر حتى تطلع الشمس). ويستمر طوال النهار، وذكر أيضا العلماء أنه يستمر إلى الليل، ويستمر في الليل إلى آخر الليل.
شكر الله لكم. وفي ختام هذا اللقاء. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجزي شيخنا خير الجزاء، وأن يبارك في عمره وعلمه وعبادته وذريته، وأسأله سبحانه وتعالى أن يجزيه عنا وعن المسلمين خير الجزاء. هذا وشكر الله لكم على حسن إنصاتكم، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

line-bottom